vendredi 28 août 2009

صدر بالموقف: قراءة في أزمة نقابة الصحافيين



إن قرار السلطة خلق متاعب للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من أجل شل عملها في انتظار الظروف التي تمكن من الاستيلاء عليها قد اتخذ حسب ما تشير إليه كل الدلائل منذ 2008 إذ بدأت مناوءة المكتب الجديد منذ أخلت وزارة الإشراف بوعودها التي قدمتها للنقابة حديثة العهد في فيفري 2008 بتسوية الوضعية الإدارية للأعوان المتعاقدين بمؤسستي الإذاعة والتلفزة ومنذ قرر وزير الاتصال من طرف واحد مقاطعة النقابة وما تلا ذلك من حملة منظمة اثر تقرير 3 ماي 2008 حول الحريات الصحافية في تونس تتهم المكتب التنفيذي بعدم النضج وبخدمة أغراض غير صحافية. ولذلك فإننا نعتقد أن قرار الانقلاب أقدم بكثير مما يتصور البعض بل نعتقد أن هذا القرار لا صلة له تصورا وتخطيطا لا بمجموعة 17 و لا باللجنة التي أعدت للمؤتمر ولا بمقرراتها. تلك وسائل وأدوات لا غير. إن طرفي الصراع معلومان لدينا بدقة وهما غير متكافئين فأحدهما سلطة تملك المصائر، تتصرف فيها وتقودها كما تشاء وحيثما تشاء... والآخر تمثله إرادة الصحافيين النزهاء في بلد لا يزال التضامن النضالي فيه يسكن البلاغات والعرائض . تفاصيل الانقلاب و أطوره السابقة معلومة بدقة وليس من مقاصد هذه الورقة استعراضها ،و أطواره القادمة متوقعة، وفي حال حدوثها لن تفاجئ أحدا: أنجز المؤتمر بقوة الإغراء والتهديد ، لقد شاهدنا وما بالعهد من قدم مؤتمرات مثل هذه ولا عجب ،كان" قانونيا" في نظر القضاء رغم مخالفته الظاهرة لقانوني النقابة الأساسي والداخلي وليس من المستبعد أن يستولي الانقلابيون باللجوء إلى القضاء مرة أخرى على المقر لقطع الطريق أمام مؤتمر 12 سبتمبروهو ما تخوف منه رئيس النقابة الشرعية نفسه حين دعا السلطة في تصريحاته عقب مؤتمر 15 اوت الى عدم منع الشرعيين من عقد مؤتمرهم. أما الفضيحة الدولية ومهما كانت فداحتها فلا ندري إذا كانت تهم فعلا من تعودوا على الفضائح.. ولكن ماذا نحن مستخلصون من كل هذا؟.


شعار أجوف« دولة القانون »
إن الدرس الأساسي الذي يمكن أن نستخلصه من المحنة القاسية التي تعيشها النقابة الوطنية للصحافيين تتصل بالإفلاس منقطع النظير للخديعة الكبرى التي يريد البعض أن يقنعنا بصدقها داخليا وان يروج لها خارجيا إنها " دولة القانون ". وحين تنكشف الخديعة ينكشف معها بالتوازي حكم الاعتباط والفوضى وعدم احترام الحريات العامة والخاصة . إن أهمية هذه الحقيقة لا تكمن في ذاتها بل في نوعية الفاعلين الأساسيين في كشف الغطاء عن المستور . إننا مع التقريرين اللذين نشرتهما النقابة سنتي 2008-2009ومع التصريحات التي أدلى بها رئيس النقابة ناجي البغوري عقب الانقلاب إلى بعض الفضائيات العربية والأوروبية أمام إدانة منقطعة النظير، صريحة ،واضحة لا مداورة فيها ولا تردد "إن المسؤول عن الانقلاب هو التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم، نفذه بواسطة مقربين منه للتغطية على الوضع المريض الذي يعيشه الإعلام التونسي " إن صدور هذا الحكم عن إعلامي ورئيس نقابة صحافيين يعطي لهذه الإدانة كل قوتها الرمزية وكل كفاءتها السياسية . ليس ناجي البغوري على حد علمنا منافسا سياسيا أو نصيرا لأي منافس سياسي إذ عبر بوضوح عن حياده حيال كل المتراهنين في الانتخابات المقبلة
لم يشر ناجي البغوري بأصبع الاتهام إلى الحكم ليطالبه برفع يده والكف عن الهيمنة السياسية التي يمارسها ضد مجتمع بأسره، لو كان فعل، على استحالة الأمر، لكان للاتهام معناه . إننا على العكس من ذلك أمام رئيس نقابة أسست من اجل الدفاع عن منظوريها ولكن أيضا من اجل الدفاع عن حق التونسي في التعبير الحر إذا كان صحافيا وفي الإعلام الذي يحترم عقله إذا كان قارئا أو مستمعا أو متفرجا . وهذا بلا شك من صلب مشاغل النقابة كما ينصّص على ذلك قانونها الأساسي . ولكن هل تجوز الحرية في بلد تعدت فيه ناطحات السحاب القمعية على حد تعبير أحد المثقفين العرب كل الحدود السابقة وتكرست فيه صحافة لا تحترم عقل الانسان ولا تستحث تفكيره ولكن تسعى إلى شحنه وفق وجهة نظر واحدة؟ إنها تركة مريضة ورثناها عن النظام السابق وغذّاها النظام اللاحق حتى صارت عصية على التصفية .
من هنا نحن نفهم الخوف الذي يشبه الرعب الذي استشعرته السلطة عقب صعود مكتب النقابة التي كانت في الواقع من صنع يديها اللتين أبعدتا المشروع ربما بتواطؤ مع المركزية النقابية عن الاتحاد العام التونسي للشغل تحسبا لكل" انحراف" قد يدعو إلى انقلاب عليها يصعب تنفيذه بنفس السهولة صلب المنظمة الشغيلة . لقد كان الانقلاب ثاويا في رحم المشروع.
خططت السلطة في نظرنا منذ اللحظة الأولى لاسترجاع ما افتك منها .وكيف يمكن أن يكون الأمر على خلاف ذلك والإعلام في دولة الاستبداد السياسي هو الحجاب الكثيف تلبسه السلطة لتغطي استبدادها أو لتجمّله أمام أعين ناظريها؟ إن الإعلام المقيد التابع بشكل كامل تقريبا (عدا بعض مساحات حرية قليلة محاصرة من المطبعة إلى الأكشاك بل حتى إلى عقل القارئ نفسه إذ يمارس بعض موظفي الدولة قراءة جرائد المعارضة الديمقراطية كعادة سرية)جزء لا يتجزأ من نظام سلطوي استبدادي . فأن يطالب التونسي بحرية الإعلام معناه ببساطة أن يطالب بالكشف عن المستور وتعرية القبح ونشر الغسيل الوسخ أيضا،بل بمحاسبة المسؤولين إذا اقتضى الأمر ذلك . ان الإعلام سلطة رابعة تعديلية بين السلط الأخرى لا يتأتى عمل أي منها ولا يستقيم لها صلة في ما بينها إذا لم يكن الجهاز التنفيذي تحت عين الرقيب والجهاز التشريعي، كسلطة محاسبة ونقد ،على صلة باليومي وبمشاغل الناس كما يكشفها الإعلامي الذكي بل هل يستقيم للقضاء دور إذا كان صمت القبور يحمي الجناة ويمكنهم من رقاب الناس...؟ "حرية الإعلام" فلنتصور ببساطة النتائج الممكنة لدعوة مثل هذه ولنتخيل صحافيا أو مجموعة من الصحافيين يجعلون هدفا من أهدافهم ملاحقة الفساد واستغلال النفوذ وسرقة المال العام والصفقات المشبوهة ويجدون مساحات لذلك متاحة لكل الناس. ألن يفتح ذلك ثلمة مهما كان صغرها أمام رياح تغيير لا أحد له القدرة على التنبؤ بنتائجه؟ بل ألن يوسع ذلك آفاقا واعدة نحو دمقرطة هادئة للمجتمع ونحو إرساء حقيقي لدولة قانون حقيقية ؟ إن الذين انقلبوا على النقابة لم يفعلوا غير إجهاض حلم التحرر الذي يعيش في صدر كل صحافي يحترم نفسه و مهنته وحلم الحقيقة الذي يدفع أكثرنا إلى هجر وسائل إعلامنا للبحث عن إعلام آخر أجنبي قد نختلف قليلا أو كثيرا مع توجهاته لكنه يوفر" منبرا لمن لا منبر له" في بلاده وهو على أية حال أقل رداءة من بضاعتنا المحلية . ذلك هو الدرس البسيط الذي استخلصناه من الانقلاب على نقابة الصحافيين.
عبدالسلام الككلي
جريدة الموقف العدد بتاريخ 28 أوت 2009

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire