في جلستها الثالثة والأخيرة يوم 7 سبتمبر2009 استمعت الدائرة الاستعجالية بالمحكمة الابتدائية بتونس المنتصبة للبت في القضية التي رفعها منفذو ما يسمى بالمؤتمر الاستثنائي المنعقد يوم 15 اوت 2009 ضد المكتب الشرعي من اجل إلزامه بالخروج من مقر نقابة الصحافيين التونسيين بشارع الولايات المتحدة الى مرافعات المحامين
و قد تجند للدفاع عن الشرعيين أكثر من خمسين محاميا وتصدر للمرافعة شفاهيا أمام المحكمة مجموعة منهم ...
وافتتح المرافعات الأستاذ مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية لحقوق الانسان فأكد " أن القائمين بالدعوى ليست لهم الصفة التي يدعونها فالمؤتمر الاستثنائي الذي يتحدثون عنه شابته إخلالات قانونية عديدة مما يجعل كل ما تمخض عنه فاقدا لكل شرعية ذلك أن الدعوة إليه تمت من غير ذي صفة "
وبعد استعراضه لهذه الإخلالات المتعلقة بشروط الدعوة إلى المؤتمر وبالاجتماع الباطل الذي انعقد لمعاينة الشغور الرابع الممضى بخط اليد دون احترام اجل الخمسة عشر يوما المنصوص عليها بالنظام الداخلي وبالنصاب القانوني أكد" أن النزاع القائم بين الطرفين والمنشور أمام القضاء الأصلي يخرج الطلب عن اختصاص هذه المحكمة كما أن النزاع المتواصل حول شرعية المؤتمر الاستثنائي الذي يعتد به خصوم المكتب الشرعي وخاصة مع ما ثبت من عدم توفر شرط أساسي وهو النصاب القانوني إضافة إلى اختلال الدعوة إليه يجعل محكمة الأمور المستعجلة غير مختصة مما يتجه معه رفض مطلب تسلم المقر لمساسه بالأصل"
ثم ترافع الأستاذ فوزي بن مراد فأكد" أن عريضة الدعوى لا يمكن اعتبارها عريضة ترفع إلى القضاء بل هي اقرب إلى بيان صحفي يقع تلاوته في النشرة الرئيسية لقناة تونس سبعة إذ أن النقابة هي ذات معنوية يضعها المشرع صلب أحكام الفصل خمسة من مجلة الالتزامات والعقود في مقام منعدم الأهلية ولا يمكن بالتالي أن تنتصب كطرف في منازعة قضائية إلا بواسطة ممثلها القانوني الذي هو رئيسها في حين وقع رفع الدعوى من قبل تسعة أشخاص من الذوات الطبيعيين والذين لا يخول لهم القانون تمثيل الذات المعنوية وأكد أيضا في مرافعته" انه وعملا بأحكام الفصل 201من مجلة المرافعات المدنية والتجارية فان القضاء الاستعجالي لا ينظر إلا بصفة مؤقتة ودون المساس بالأصل"
أما في ما يخص عنصر التأكد فقال" انه ليس شرطا تشريعيا بل إضافة من فقه القضاء ضرورة أن الفصل 201لا يتعرض له مطلقا "كما استشهد بقرار تعقيبي يحدد وظيفة القضاء ألاستعجالي في حفظ الحقوق لا في إنشائها مؤكدا أن الحكم لصالح المدعين يعتبر إنشاء لحق متنازع حوله نزاعا جديا وخوضا في الأصل وتدخلا في نزاع لا يزال في عهدة قضاة الموضوع.
أما الأستاذ عبدالناصر العوبني فإضافة إلى تمسكه بما جاء في مرافعات زملائه فقد حلل طبيعة المؤيدات المرافقة لعريضة الدعوى فقال" إنها محاضر مكتوبة بخط اليد مجردة من كل إمضاء أو ختم أدرجت فيها أسماء غير معلومة مما يجعلها من جنس المؤيدات التي يمكن لأي طرف أن يكونها لنفسه وهو ما يخالف مخالفة واضحة صريح منصوص الفصل 468من مجلة الالتزامات والعقود مما يتجه معه اعتبار جمال الكرماوي شخصية افتراضية لا وجود قانوني له بالصفة التي يدعيها وهي رئيس نقابة الصحافيين"
وأكد" انه في حال قبول المحكمة لطلب المدعين فان ذلك يفتح بابا للفوضى إضافة إلى أن حكما صادرا لصالح خصوم الشرعيين لن يكون لصالح جمال الكرماوي الشخصية الافتراضية بل لصالح جمال الكرماوي المستشار الإعلامي للامين العام للحزب الحاكم لان هذا الحكم لن يتأسس أبدا على أية وثيقة نظامية بل على أملاءات معروفة"
وقال في الأخير" إن الطابع الأهم في المسالة ليس قانونيا بل هو سياسي لأنه لو كان القانون محترما في بلادنا لما احتجنا إلى ترافع أو نزاع" مؤكدا أن المحكمة" شرعت لنفسها -في القضية الاستعجالية المرفوعة من المكتب الشرعي ضد الانقلابيين لإيقاف أعمال مؤتمر 15 أوت- تكوين حجج لخصوم الشرعيين وهو ما يدعو إلى التساؤل حول استقلاليتها وحول مصدر الأحكام الصادرة عنها".
أما الأستاذ شكري بلعيد فبالإضافة إلى خوضه في المسائل القانونية التي حللها زملاؤه وتمسكه بها والمرتبطة بانعدام صفة القائمين بالدعوى وبالاخلالات القانونية التي شابت أشغال المؤتمرالاستثائي وبطبيعة عريضة الدعوى فانه أكد وهو يخوض في الجانب السياسي من القضية على" أن الانقلاب على نقابة الصحافيين يأتي في خضم سلسلة من الانقلابات التي عرفتها البلاد طوال الخمسين سنة الماضية والتي نفذت في اتحاد الشغل وفي اتحاد الطلبة وفي جمعية القضاة" وقال" إن الانقلابيين لا يعمرون طويلا بل يذهبون مع انقلابهم غير مأسوف عليهم إذ أن من يبقون في ذاكرة التاريخ وفي قلوب المناضلين هم الشرعيون الذين يظلون شرعيين رغم المحن ورغم الأحكام الصادرة ضدهم"
وألح على أن "السلطة هي صاحبة المصلحة في هذا الانقلاب وان من يتجاهرون بالدفاع عن النقابة لا يهمهم العمل النقابي أصلا لأنه كان بإمكانهم بعد" انحراف" النقابة ( كما يدعون) التي ينازعونها شرعيتها ومقرها أن ينشئوا لهم نقابة، خاصة وان تكوينها حسب ما تنص عليه مجلة الشغل لا يحتاج إلى أكثر من إعلام" وقال أيضا إن الذين" انقلبوا على النقابة لم يفعلوا غير إجهاض حلم التحرر الذي يعيش في صدر كل صحافي يحترم نفسه و مهنته وحلم الحرية التي يرنو إليها كل تونسي وعبر في الأخير عن تفاؤله لانخراط الصحافيين هم أيضا في كوكبة المناضلين المدافعين عن حقنا في مجتمع ديمقراطي"
أما الأستاذ سيف مخلوف وهو من شباب المحاماة كما قال هو نفسه فتمسك بما جاء في مرافعات زملائه مؤكدا خاصة على أن المؤيدات المعروضة من قبل المدعين خالية من أية صبغة قانونية إذ أنها صنعت على عجل كما نفذ الانقلاب أيضا على عجل من أجل أداء المهمة الأكثر استعجالا وهي برقية الولاء والتأييد الصادرة على الانقلابيين إبان انعقاد ما يسمى بالمؤتمر الاستثنائي ذاته " .
و أثار الأستاذ عبد الرؤوف العيادي في مرافعته بالإضافة إلى المسائل المذكورة آنفا مسألة دقيقة تتعلق بإثبات المماطلة في تسليم المقر التي احتج بها المدّعون لرفع دعواهم فقال" إنه من الغريب ألا يقع إثبات المماطلة أبدا . كل ما في الأمر انه وقع الالتجاء إلى استجواب رئيس النقابة ناجي البغوري بواسطة عدل إشهاد وذلك يوم 27 أوت 2009 وبعد ربع ساعة من نفس اليوم رفعت قضية استعجالية بين ساعة وأخرى يطلب فيها المدعون بإلزام المطلوبين أو من حل محلهم بالخروج من مقر النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين وتركه" شاغرا من كل الشواغل" لعدم الصفة"
وتساءل الأستاذ إن كان مجرد الاستجواب يمثل إثباتا قطعيا للمماطلة كما استغرب من عبارة و "تركه شاغرا من كل الشواغل " الواردة بعريضة الدعوى" فهل يعني ذلك إفراغه من أرشيفه ووثائقه وحساباته" وقال إن هذه العبارة خالية من المنطق والدلالة وان ما يسمى شواغل هو ملك للنقابة كذات معنوية وانه ليس ملكا لطرف طبيعي مهما كان حتى يمكن إخلاؤه منها وانه حتى الشركات التي يقع تصفيتها تودع دفاترها ومستنداتها عشر سنوات بالمحكمة وتعجب من السرعة التي يراد بها تسلم المقر وكأن عملية التسليم سهلة تقع في ربع ساعة مع ما تتضمنه من مسؤوليات قانونية
وقال" إن المسالة لا تحتاج إلى تأويل لأن كل هذه العمليات التي تبدو في ظاهرها شرعية ليست إلا غطاء قانونيا للاستيلاء على المقر وإخراج أصحابه الشرعيين منه بغير وجه حق ولا قانون "
وذكر الأستاذ منذر الشارني في مرافعته" إن في الموضوع مساسا بالأصل باعتبار أن المدعين لم يقدموا للمحكمة قائمة منخرطي النقابة ولا قائمة الحاضرين في المؤتمر المزعوم حتى يتم التأكد من النصاب وليس مجرد الاكتفاء بمحاضر محررة بخط اليد" كما أكد" أن المكتب الجديد المزعوم لم يقم بإجراءات الإيداع القانوني طبق الفصل 250من مجلة الشغل لتكون لهم الصبغة القانونية للقيام ومن جهة أخرى فان الدعوى متناقضة إذ ورد بحيثيات العريضة أن المدعين يجتمعون بالمقر وهم موجودون فيه ومن جهة أخرى يطالبون بإخراج المكتب الشرعي لانعدام صفة أصحابه .
أما الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني رئيس فرع تونس للمحامين فأكد" أن المحامين لا حاجة لهم بالتحدث في السياسة كما يقع في مثل ه هذه المحاكمات لو كانوا يقفون أمام القضاء وكلهم طمأنينة في حياده واستقلاليته غير أن الأمر على خلاف ذلك وهو ما يحز في نفوسنا سيما وان أطوار الانقلاب على نقابة الصحافيين معلومة فهل من الصدفة أن تتحرك آلة التخريب مباشرة عقب تقريري النقابة حول الحريات الصحافية في سنتي 2008و2009 ".
وأكد أن هذا الانقلاب هو نسخة مطابقة للأصل للانقلاب الذي جرى في جمعية القضاة التونسيين . وقال أيضا" ان القضية التي نقف للدفاع عنها قضية عادلة وانه حان الوقت ليلعب القضاء دوره في حماية الحق كما انه حان الوقت لنسترد ثقتنا في القضاء" .
أما الأستاذة راضية النصراوي فقالت إنها" متافئلة وهي تترافع أمام هذه الدائرة الاستعجالية التي انتصبت للبت في قضية الحال" وذلك لمعرفتها ومعرفة المحامين جميعا باتجاهها القانوني و هو تقيدها بالطابع ألاستعجالي لأحكامها وبصبغتها الوقتية وحرصها على ترك الأمر على حاله وعدم المساس بالأصل إذا ما تبين للمحكمة أن هناك نزاعا جديا لا يمكن لمحكمة الأمور المستعجلة أن تبت فيه وذكرت أن هناك قضية منشورة في الأصل وأنها لم تنشر لمجرد التعلل بوجودها في الطور ألاستعجالي كما يفعل البعض أحيانا اذ يتضح ومن ظاهر أوراق القضية أن إخلالات جسيمة شابت أعمال المؤتمر الاستثنائي وفي مقدمتها مبدأ النصاب القانوني المطلوب في صحة انعقاده وهو الثلثان وليس النصف كما يدعي خصوم المكتب الشرعي
واستغربت أن يجهل هؤلاء هذا الشرط البسيط رغم وجود محضرين في ذلك صادرين عن اللجنة التي أعدت القانون الأساسي للنقابة وعن المؤتمر الأول الذي اقره وختمت مرافعتها بان أي حكم يقضي بتسليم المقر للمدعين سيكون على خط معاكس تماما لاتجاه الدائرة وانه سيثير الشكوك حول استقلالية قرار المحكمة .
وأنهى العميد عبدالستار بن موسى سلسلة المرافعات فتمسك هو الآخر بعدم صفة القائمين بالدعوى وأكد أن المؤتمر الاستثنائي المستند عليه لرفع هذه الدعوى لم تثبت قانونيته إذ لم يدل الخصوم بقائمة المنخرطين في النقابة للتحقق من توفر النصاب القانوني وإجراء الفحوصات اللازمة على العدد الجملي للأعضاء العاملين بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين سنة 2008 ، - وهي السنة التي اعتمدها الانقلابيون في مؤتمرهم كما أن الخصوم لم يدلوا بما يفيد حصول الترشحات حسب الصيغ والآجال القانونية متمسكا في الأخير بكافة الدفوعات التي أثارها زملاؤه . طالبا مثلهم رفض مطلب تسليم المقر وترك الأمر على حاله إلى أن تبتّ محكمة الموضوع في أصل النزاع .
وهذا وقد حجزت المحكمة القضية للتأمل والتصريح بالحكم صبيحة يوم الثلاثاء8 سبتمبر 2009...قضية للتأمل؟
* جامعي و نقابي
جريدة الموقف العدد بتاريخ 11سبتمبر2009
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire